الثلاثاء، 28 فبراير 2012

إدعاءُ حضارة ..


أُنظر إلى جدران بيتك , تحسسها , أشكرها على ثباتها , إشرب معها فنجانا من القهوة الفاخرة , أنا شخصيا سألتقط لها بعض الصور ربما أقوم بتأليف أغنية لكني حتما سأبكي ..
جدران البيوت تعرف جميع الأسرار وتمييز رائحة الطابون والزعتر المصنوع يدويا , كانت الامهات تعلق على جدار المطبخ الثوم والبصل وتقوم بتنشيف النعنع وأحيانا غصن يحمل بضع الليمونات كان قد إنحنى من كثرة الحمل ..
كان جدار غرفة المكتبة في الطابق العلوي يقف رزينا متعظا متباهيا بكل العراقة التي تحويها كتبه من قصص بطولة وأيام ثورة وإبداعات فلسطينية تبدأ من غسان إلى زيّاد إلى الدرويش , والحائط المقابل كان يحمل صورا لأفراد العائلة , هذه الصورة على شاطئ يافا في رحلة صيد  وهذه للإبن البكر الذي إستشهد بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت بعدة أشهر , أما هذه الصورة الصيفية فهي للجدة  تقف عند المدخل الغربي للبيت إلى جانب البئر الذي كانت تضع بداخله البطيخ ليبرد , يا لها من أيام عز لم يعرف أهلها غيرها طريقة للعيش .
يبدو الحديث عن سرقة الاثار موضوعا غبيا لا يساوي حجرا من إنتهاكات دولة الإحتلال "التي كانت قد رفضت تسليم السلطة، إبان اتفاق أوسلو، مناطق تعتبرها أثرية، قبل أن تنتهي من العمل بها , ويزيد من حجم المأساة أن هذا النهب يستخدم عمليا في دعم نهب آخر للأرض وهو الاستيطان" 

كيف يُطلب من كل هذا الجمال أن يخضع , ليحمل رقما سخيفا تماما كأسير زرع   " دالية عنب" فأثمرت في غيابه بعد أن ذهب لينجز ثورةً فأشعلها وأُسر , الأسير كحجر البيت قديسا لو إقتلعوه غصبا ووضعوه حيث يشاءون ..
تقوم دولة إسرائيل بترقيم أحجار البيت قبل هدمه لتبنيه في مكان أخر , إن الأكثر وقاحة وغباء من سرقة الحضارة بهذه الطريقة هي أن تترك الأرقام على الحجارة غير مكترثة بقلة الإنسانية وكثرة البشاعة التي أتت بها .. 

هذه الحجارة موجودة الان بسوق تجاري يهودي إسمه (ماميلا) إسمه بالأصل طريق ( مأمن الله) هذا السوق قريب من باب الخليل .. 

لا يعقل أن تكون هذه الحجارة التي إحتضنت ربما حائط المطبخ تحتفظ برائحة الزعتر في ثناياها أو لربما إحتضنت ثوارا يلتقون سرا لتبادل الأخبار وتوزيع السلاح تحيطهم هالةٌ من القدسية والايمان , لا يعقل أن تستخدم لتبني حائطا أصم لدكان ملابس ! 



مكتبة (סטימצקי- ستيماتسكي ) , هي من أشهر مكتبات إسرائيل ! , سرقت أحجارا كانت تحيط بكتب تحكي قصص أمجاد وأيام عز وكرامة , كتب ٌ ما إن ينتهي قارئها منها حتى يذهب ليشعل الثورة , سُرقت الحجارة كي تغطي عورةَ كتبٍ تحمل لغة ركيكة لم تستخدم يوما لوصف حضارة أو تاريخ مشرف ! 

سأحتضن جدار بيتي كلما مر بجانبي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق